Min menu

Pages

أخبار الرياضة

أصابع متسخة ليس بعمل أبدا

 

يقول والدي أن العمل الذي ينتهي دوامك به بثياب و أصابع متسخة ليس بعمل أبدا , حفرة من الخراء فقط تكابد نفسك طوال ساعات اليوم لتخرج منها مساء متعبا و خائر القوى و تعود للسقوط بقاعها في اليوم الموالي , والدي الذي اشتغل العشرات من المهن و الحرف و أبدا لم يجد حتى ذاك الصفر الذي قد يجعل منه نقطة انطلاق نحو القمة , كانت كل المهن التي زاولها أبي تنتهي بثياب متسخة يجعلها تتراكم بركن بالبيت قبل أن تعود أمي أخر المطاف لغسلها , كان والدي دائما ما يعود للبيت بملابس متسخة حتى و هو عاطل عن العمل , فذاك يجعله يمضي بعضا من وقته يتمرغ في التراب كديك مذبوح أمام دكان جارنا سبيركلوس أو تحت جدار المسجد يبادل رجال القرية الحديث في انتظار موعد الصلاة...

كانت أمي دائما ما تشتكي من لامبالاة والدي تلك و ان لا فرق بينه و بيني أنا إبنه من لم أتجاوز حينها بعد السابعة من العمر , مادام هو مصرا على تماديه بأفعاله الصبيانية فالفرق بيني و بين والدي أنه شخص بشارب و بطاقة للتعريف و أنا ذاك الطفل الذي يظل المخاط يسيل من أنفه طوال اليوم , لم تتجرأ أمي أبدا على نعث والدي بالغبي في ظل سوء تعامله مع نصائحها , فأغبى شخص بنظر أمي هو ذاك الذي اكتشف الشوكولاتة أول مرة و شارك الجميع مذاقها الحلو ..
تظل أمي تشتكي حزنها لساعات و هي تحدث جدتي المستلقية بزاوية الغرفة , كانت جدتي دائما ما تظل حبيسة الزوايا كشبكة عنكبوت لعين , تداعب بأناملها سبحتها و يصطك طقم أسنانها و تتفل أحيانا تحت الحصير , يحزن أمي أن جدتي لا ترد على حديثها و كأنها تتجاهلها , لم تكن جدتي أبدا بالصماء , هي فقط خائفة , ما جعلها تتفادى الحديث عن والدي بسوء فيرمي بها خارج داره و يمنعها من أن تدلف بيتنا مجددا , تدري هي أن لا أحد قد يستقبل عجوز بنفس عمرها داخل بيته و إن كان مجرد خربة تملأها الفوضى , أن تحزن أمي فهو أمر مقبول بنظر جدتي لكن أن يغضب والدي بسببها فهو شيء لا يطاق و لا يمكنها تحمل عواقبه , تريد هي فقط ان تموت في سلام , أحيانا تستلقي جدتي فوق كومة ملابس والدي بركن البيت , تجدها دافئة و ناعمة , فترمي بجسدها الهزيل فوقها و تغط في نوم عميق , حدث و أن كانت مستلقية ذات يوم قبل أن تشعر بألم ببطنها و تفرغ ما ببطنها على جلبابه الأبيض و تفسده بالكامل , أغضب ذلك والدي و أقسم على أن يرمي بجدتي خارجا كجرو صغير مزعج أو ككيس قمامة , غير أن أمي وقفت سدا منيعا بوجهه و هي تقول ان بود والدي أن يقتطع ثمن حمل الجلباب اللعين لألة غسيل ما بالمدينة من مبلغ المهر الذي لم ينجح والدي بعد في دفع المبلغ بالكامل رغم السنوات الطوال على زواجهما , يجد والدي نفسه حينها بمأزق و يضحي بجلبابه الرث و يتناسى ما فعلته جدتي به فيخشى هو أن تطلب منه أمي دفع بقية مبلغ المهر , يهدأ رويدا رويدا و يقول أخيرا أن لا بأس بإستلقاء جدتي فوق ملابسه متى شاءت و أنه أيضا مستعد حتى لنثر بعض من سراويله الأخرى بكل زوايا البيت ...

Comments