Min menu

Pages

أخبار الرياضة

كانت تركض فوق الرصيف

 

 كلما رأت أحدهم يتوقف بمحذاتها و هو ينظر إليها كأنها فاكهة طازجة كانت تركض فوق الرصيف و هي تتعثر في خطواتها !

لم تكن قد استوعبت الوضع جيدا ، فهي تأتي إلى ذلك المكان للبحث عن زبائن لها و ليس لتهرب منهم و تركض بعيدا ...
إلى متى يمكنها الهروب و هي تعيش وضعها ذاك ، غريبة في مدينة غريبة لكن الاغرب أن كل الذكور يرغبون فيها !
كانت كل ليلة تعود خاوية الوفاض ، فيما شريكاتها في تلك الغرفة يقمن بعد الأوراق النقدية و هن يحكين عن مغامراتهن بعضهمن تكن محظوظات برفقة جيدة و أمسية تحكين تفاصيلها بل و تضفن بعض التفاصيل من وحي خيالهن ، ربما يفعلن ذلك لإغراء بعض المحتشمات من مثيلاتها أو نكاية ببعضهن البعض ، فللنساء طبع غريب يمتزج فيه الحنان بالحسد ، و الغيرة بالرغبة في الانتقام ...
أما بعض صديقاتها فكن تعدن و قد نلن من الضرب ما تحكي عنه أجسادهن ، بل و منهن من تمضي ليلتها دون أن تظفر و لو بدرهم واحد و لو تجرأن و حاولن الشكوى أو الاستنكار فإنهن يجدن أنفسهن في الشارع عرضة لكل السكارى و المجرمين لذلك في أغلب الأحيان يكتفين بذرف عبراتهن ...
ما كان يتقاسمنه هو ماض مؤلم و قصص قاسمها المشترك بؤس و فقر و قلة الحيلة ، ربما لم تكن أغلبهن تحلم في يوم من الأيام أن تجد نفسها و قد أصبحت سلعة منبوذة و مرغوب فيها في الآن ذاته ...
في نهاية الأسبوع وجدت نفسها و قد كادت تنفذ منها تلك الدراهم القليلة التي كانت تخبئها في قطعة ثوب في حمالة الصدر الوحيدة التي تملك ، يومها ذهبت إلى الشاطئ الذي لم يكن يبعد عن المنزل الذي تقطن به إلا ببضع مئات من الأمتار .
جلست في مواجهة البحر و عادت بها ذاكرتها إلى طفولتها و عائلتها ، إلى أيام الجلوس على طاولات المدرسة ، إلى دراستها التي كانت تستنزف بعضا من مدخول والديها ...
تذكرت بحرقة أحلامها الوردية ، عمل يجعلها تعوض والديها عن كل سنوات الضنك و التضحيات التي قامت بها ، تذكرت الملابس المستعملة التي كانت تأتي والدتها بعد عملها ببيوت الأسر الميسورة و الأحذية التي تشتريها و قد أكل عليها الدهر و شرب ...
كانت مع كل واحدة من هاته الذكريات تذرف دمعها بحرقة و مع كل ذكرى تشعر أنها تبتعد عن ذلك الزمان و تلك الحياة و تبعد عن تلك الفتاة التي تركتها في ذلك الذي شهد على دفنها حياة تحت جسد " رجل " سلبها كل أحلامها ، بل و سلبها حتى حياتها ...
كفكفت دموعها ، نهضت من مكانها و قد عقدت العزم على أن ما تبقى من حياتها ستخصصه للانتقام من كل الذكور ، فمن كان سببا في فاجعتها كان يعلم أنها تحبه لكن كبته الذي رضعه من ثدي أمه و بيئته جعله يتنكر لها بعد أن قضى منها وطره ...
عادت إلى مكانها فوق الرصيف بالقرب من إشارة المرور ، و بدأت تذهب جيئة و ذهابا ، فجأة لمحت أحدهم يخفف من سرعة سيارته لكنها أكملت سيرها بتأدة غير مبالية . توقفت السيارة بمحاذاتها فأنزل السائق زجاج سيارته و بادرها بتحية فيها من الكلام المعسول ما تعودت على سماعه أكملت سيرها فتبعها ، همت أن تذهب إلى الجهة المقابلة من الشارع حين اوقف ذلك الكهل سيارته ثم ترجل و هذا ما كانت تنتظره ...
بعد دقيقتين أو ثلاث كانت تجلس في الكرسي المحاذي للسائق الذي تهدج صوته و تهللت أساريره .
حين عادت بعد ساعتين كانت قد ظفرت بضحيتها الأولى ، ليلتها بكت بحرقة لأن قطعت حبل النجاة الذي كان يربطها بفتاة عرفتها في حياة أخرى ..

Comments